سليمان الشيخ

اذكر انه في اواخر عام ٢٠١٩ كنت قد سمعت انا و زوجتي عن نشاط جديد يقوم بتوريد خضروات و فواكه طازجة تمت زراعتها بدون استخدام كيماويات. و عليه قمنا بطلب مجموعة من مزروعات الموسم مع بعض المنتجات الغذائية من الريف المصري. كنا في فصل الشتاء و في ميعاد التسليم الى باب البيت، جاءنا شابُُ  داكن البشرة، وسيم، ذو ملامح مصرية، لكن عيناه الخضراوتان تضفي  تصبغه بملامح الغرب من الشمال الأفريقي ”ما علمته لاحقاً ان اصوله منذ القرن التاسع عشر كانت من الجزائر“. افتح له الباب و لم اقدر على عدم الإبتسام. لا اعرف أبسبب ابتسامته التي لم تفارق وجهه طوال مدة معرفتي به، أم كان ذلك بسبب الطاقة الإيجابية التي تصاحبه. جائني ذلك الشاب في زي ريفي تقليدي، جلباب مقلم رمادي اللون من الصوف و تعلو رأسه الحليق طاقية رأس بيضاء نظيفة. كانت له يدان خشنتان لشخص يعمل في الحقل، لكن على حسب تقديري ليس منذ مدة كبيرة

بعد ان استلمنا ما طلبناه، قلت لزوجتي: رغم اني لا املك إلا ان اشعر بارتياح تجاه هذا الشاب، إلا انه لا يبدو لي كما تزعم هيئته

مرت أشهر كثيرة و تصادف ان اكون في المركز الفرنسي بالإسكندرية. اقابل شخص اعتقدت أني رأيته من قبل. اعتصر ذاكرتي لأرى فيه بائع الخضراوات الذي زارني قبل ما يقرب من العام. اذهب اليه لأذكره بنفسي و ما تزال تلك الإبتسامة تحتل وجهه. يقرأ في عيناي الاستفهام بحثاً عمن يكون، فيستفيض في سرد قصته. فبعد أن أنهى دراساته في فرنسا و امريكا عاد الى مصر للعمل على تطوير مزرعة والده بإحدى قرى كفر الدوار. هادفاً الى اعادة احياء التراث الريفي الشعبي. اراد ان يعمل بالمزرعة ليس كولي العهد الجديد او ”المدير ابن الباشا اللي جاي من بلاد برة“. اراد ان يعمل مع المزارعين، يحيى حياتهم و يتعمق في تفاصيل معيشتهم و عاداتهم و تقاليدهم اليومية ليألفهم و يألفوه. تملكني الإعجاب بهذا الشاب المختلف و انا اتابعه على مدى شهور تلت تلك الليلة، رأيت مدى إيمانه بمبادئه، رأيت مدى حبه لمجتمعه و ما ورثه له من تقاليد، منها ما احَبَ التمسك بها ومنا ما اراد تطويرها حتى لا تفنى و تندثر

تكثر مقابلاتنا لنبني صداقة أساسها الاحترام. لقد احببت هذا الشاب لما فيه من صفات الرجولة و التسامح و الخلق الحسن و حب الخير و حب الغير. أحببته لما التمست فيه من احترام لنفسه و لمجتمعه و لأصله، احببته لأنه كان صادقاً فيما أراد أن يحققه

في زمانٍ اختف و تغايرت فيه القيم والمعايير، في اوقاتٍ نحن فيها بأمس الحاجة للقدوة الحسنة الصادقة و الحقيقية،  كان سليمان نموذج لشاب مصري اصيل، مجتهد و مثقف، جمع في عمره القصير بين العلم و الخبرة الحياتية. كان سليمان هذه القدوة التي نحتاجها. لكم قلت له اني اتمنى ان يكون في بلدنا الكثير منه… ينظر الي في تواضع و يبتسم. لقد كان سليمان قدوةً لي رغم فارق السن بيننا. كنت اتعلم منه و اُبهر من تفانيه و تمسكه بقيم اعتقدت انها كانت قد اختفت

اوجعني رحيلك يا سليمان، لكن الله عز وجل هو الذي يقر مصائرنا ومآلنا. ارجو ربي ان يغفر لك ذنوبك بقدر ابتساماتك التي أغرقت بها الكثيرين. ارجو من الله ان يغفر لك بقدر الأمل و التفائل الذي بثثته في الكثيرين. ارجو من الله ان يغفر لك بقدر احترامك و خلقك الكريم. ارجو من الله الا تكون اخر سليمان

الصورة من مزرعة سليمان و والده

سليمان الشيخ
2023-1994
في صورة لسمير بدوي